اليوم العالمي للماء
من الحقائق التي لا ينبغي أن تخفى على أحد، ونحن نحتفل في 22 مارس باليوم العالمي للماء، أن موضوع المياه في منطقتنا يفرض نفسه كأولوية مطلقة في العمل التنموي بأبعاده المختلفة، وذلك في ضوء تناقص الموارد المائية في المنطقة من ناحية والحاجة إلى ترشيد استغلال المتوافر منها من ناحية أخرى.
فالأرقام تشير إلى أن نصيب الفرد العربي من المياه في تناقص مستمر، إذ انخفض من 2200 متر مكعب للفرد في عام 1970، إلى 1100 متر مكعب للفرد في عام 1996، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 500 متر مكعب في عام 2025. وبعبارة أخرى فإن هناك قيدا اقتصاديا جديدا بدأ في معظم الأقطار العربية في ممارسة أثره السلبي على الرخاء الاقتصادي والاجتماعي للفرد العربي، بالإضافة إلى بروز التحدي السياسي المتمثل في تحكم دول غير عربية في منابع موارد المياه المتدفقة إلى الوطن العربي (أكثر من 50% منها) من جهة، وسرقة الكيان الصهيوني للمياه العربية من جهة أخرى. وأغلبية المحللين على يقين بأن موضوع المياه سيكون في مقدمة الموضوعات المتعلقة بالصراع من أجل البقاء في المنطقة.
ومع أهمية موارد المياه في التنمية، فإن العبرة ليست في وفرتها أو ندرتها فحسب، ولكن أيضا في قدرة الإنسان العربي على تحديد أولويات استثمارها وإدارتها على النحو الأمثل، بصورة مستدامة، وبأساليب واعية ورشيدة، مع المحافظة على البيئة المحيطة بمصادر المياه.
وكل هذا يستوجب أن تحتل قضية المياه أولوية استراتيجية لدى الدول العربية والسير بخطى سريعة في المجال العلمي الخاص بإدارة وتطوير مصادر المياه ومواكبة آخر التطورات العلمية في تقنية المياه وأسلوب التعامل معها. وعليه، فإن من الأهمية بمكان أن تتم رعاية البحوث والأنشطة ذات الطبيعة التطبيقية للتعامل مع مشكلة المياه في الوطن العربي، وذلك سعيا للتوصل إلى توصيف دقيق للمشكلات المائية واقتراح الحلول أو البدائل المبتكرة للتعامل معها.
تقليص العجز المائي
وإدراكا من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم للأهمية الحيوية التي تمثلها الموارد المائية فقد أدرجت موضوع الماء ضمن أولويات عملها في قطاع العلوم، وذلك من خلال تنفيذ برنامج مستمر خلال السنوات الأربع الماضية (2001-2004) يعنى بتنمية الموارد المائية ومجابهة الـشح المائي والشروع منذ وقت قصير في تنفيذ برنامج جديد خلال السنتين 2005-2006 يتمحور حول تقليص العجز المائي العربي.
وتتراوح الأنشطة التي نفذتها وتنفذها المنظمة في هذا الصدد بين بناء قواعد المعلومات عن المياه وإجراء البحوث والدراسات الميدانية في هذا المجال، والإسهام في تدريب العاملين في اختصاص الموارد المائية، وإعداد برامج التوعية بخصوص ترشيد استهلاك المياه، إضافة إلى التنسيق بين جهود الدول العربية في هذا المجال من خلال اللجنة العربية الدائمة للبرنامج الهيدرولوجي الدولي.
خارطة هيدرولوجية
وقد أمكن للمنظمة، من خلال هذه الأنشطة، الإحاطة أولا بالواقع المائي العربي، كما ونوعا، وأدى تعاونها في هذا المجال مع منظمة اليونسكو والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة في نطاق شبكة هيدرولوجيا الوديان وشبكة المياه الجوفية، إلى وضع قواعد بيانات حول الأوضاع المائية العربية. كما أنجزت المنظمة، في الإطار نفسه، الجزء الأول من الخارطة الهيدرولوجية للوطن العربي وتنكب في الوقت الحالي على وضع الجزء الثاني من هذا العمل الهام، إلى جانب ما نفذته من الدراسات والندوات العلمية التي تناولت قضايا تخص الموارد المائية من جوانبها المختلفة، كتكنولوجيات استثمار المياه الجوفية العميقة، والقوانين والتشريعات المائية في الوطن العربي، واستعمال النظائر المشعة لدراسة مشروعات المياه في المناطق الجافة، والهياكل المؤسسية العربية المهتمة بقضايا المياه واستخداماتها الزراعية.
ومن خلال هذه الإحاطة بالواقع أعدت المنظمة، بالتعاون مع شركائها الإقليميين والدوليين ومع الدول الأعضاء، خطط العمل والأدلة الضرورية للتصدي لمشكلات شح الماء في الوطن العربي وقضايا تلوث المياه، وذلك من خلال اللجنة العربية الدائمة للبرنامج الهيدرولوجي الدولي التي تنهض منظمة الألكسو بأعباء أمانتها العامة. وقد اجتمعت هذه اللجنة عشر مرات فيما بين 1979 و2003 وكان لها دور رئيسي في توجيه السياسات العربية في المجال المائي، وتنسيق المواقف بين الأقطار العربية، والتوعية بالمشكلات المختلفة المحيطة بموضوع المياه.
للتدريب نصيب
وكان للتدريب نصيبه في عمل المنظمة بخصوص الموارد المائية، إذ تعددت الدورات التدريبية في هذا المجال وتنوعت موضوعاتها ويذكر من بينها : الجوانب البيئية للمشاريع المائية، استخدامات الحاسوب في تطبيقات هيدرولوجيا المياه الجوفية، النمذجة الرقمية لانسياب المياه الجوفية، إعادة استعمال المياه الرمادية في ري الحدائق المنزلية...
واستكمالا لهذا التدريب الميداني تقوم الألكسو في الوقت الحالي بإعداد حقيبة تدريبية حول تحلية المياه باستعمال الطاقات المتجددة.
ومع التدريب المختص يتكامل جانب آخر يهم توعية المواطن العادي وترشيد سلوكه الاستهلاكي في المجال المائي. وفي هذا الجانب كذلك كانت للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إنجازات هامة، منها إنتاج البرامج التلفزية وإعداد المطويات والأدلة والمعلقات والبرامج الحاسوبية المعرفة بأهمية المياه للإنسان والداعية إلى ترشيد استهلاك المواطن، وخاصة فئات الأطفال والشباب، لهذه المادة الحيوية، فضلا عن الإسهام في المخيمات الكشفية والتجمعات الشبابية لتوعية المشاركين فيها بأهمية الحفاظ على الماء وصونه من الاستهلاك المفرط والتلوث المضر.
جهود متضافرة
وبتضافر هذه الأعمال والأنشطة من قبل الألكسو وشركائها، ومع ما يكملها من جهود من جانب الدول الأعضاء، يبقى الأمل قائما في أن يتمكن الوطن العربي، بكثير من الحكمة، والتبصر والعمل المشترك، من أن يحد من تهديدات العجز المائي، وذلك بالعمل خصوصا، من خلال سياسات عربية موحدة، على زيادة كميات المياه التي توفرها الوديان والطبقات الجوفية والمحافظة على المتاح منها وحسن إدارتها وحمايتها من الهدر والتلوث